الوقوف العائلي النظامي والشفافية

قد تتسائل ما علاقة الشفافية بالوقوف العائلي النظامي؟ الشفافية والوضوح في التعامل والتعبير عن مشاعرك الحقيقية خلال العمل معك في جلستك، هو أمر غاية في الأهمية في أي علاقة إنسانية لتزدهر وتنمو لتحقق أهدافها المرجوة، وفي الوقوف العائلي النظامي تتعاظم هذه الأهمية بسبب حساسية الموضوعات المطروحة والأسرار المدفونة. عند اختيارك لموضوع الوقوف لنفسك، وتواصلك مع الأخصائي المسؤول، الافضل ان تتجرد من الرغبة في إخفاء الأمور وجعلها غامضة أو ضبابية. خاصة فيما يتعلق بالتحديات الجنسية بين الشركاء والتحرش والاغتصاب والقتل والسرقة ….. الخ. من أجل أن يصل بك إلى لب المسألة، وحل التشابك نهائيا في نظامك العائلي، وبالتالي لتحقيق هدفك. لتعيش حياة رغيدة وطيبة، وراحة بالك من التعرض لتحديات مزعجة مؤذية وغير مرغوبة وانت لا ذنب لك فيه. إلا أنك قد ورثت هذه التركة الثقيلة من أسلافك. وبالتأكيد لا تريد لها أن تعرقل حياتك أكثر من ذلك، وحياة أولادك من بعدك، لأن نظامك العائلي فقط يعيد ترتيب نفسه باستمرار، من أجل توازن الطاقة المنظمة لحقل المعرفة فيه، وإنما تريده أن يصبح ينبوع لا ينضب متدفق بدعمك وسندك بالحب والحظ العظيم، وهو حقا خير معين لك في أن تعيش الأمن والنعيم على الأرض بكل تلقائية ويسر ووضوح. من أولى الخطوات للتسجيل في الوقوف هو توقيع تعهد بالشفافية وحفظ الخصوصية مع المسؤولين عن الوقوف.

ماذا نعني بالشفافية هنا؟

هي أن تكون واضح تماما في عرض كل جزئية مهما كانت ومهما كان دورك، ولا تشعر بالخوف أو الحرج من أي تفاصيل أو أسرار أو من آراء المختصين وأحكامهم عليك، في حال أفصحت عن هذه المعلومات، تأكد أنها سرية تماما وأنهم قادرون على التعامل معها بكل احترافية وتقدير للنفس الإنسانية. أرجوك لا تخفي أو تحور أو تغير أي معلومات وتفاصيل أيضا عن الموضوع، أو المشكلة وأن تطرح أفكارك بموضوعية ووضوح. دون أي تزييف للحقائق وإخفاء لشخصيات مهمة، من أجل مصلحتك أو مصلحة غيرك، وإغفال نقاط هامة قد تكون هي المفتاح لتحريرك و شفاؤك. يفضل أن ترتب أفكارك قبل موعدك بوقت كافي، وتسجل أي ملاحظات وأشخاص وأحداث ونوعية العلاقة وما تريد أن تحققه. فهذا يسهل الأمر على الجميع أولهم أنت. الأمر ينطبق أيضا في حال كنت تمثل في أحد وقوف الآخرين، حينما تدخل حقل المعرفة الخاص بهم، احرص على أن تفرغ نفسك تماما وبعمق من مشاعرك وأفكارك الشخصية. وكذلك وجهات نظرك واحكامك وتحليلك و استنتاجاتك وما تعتقد بأنك تعرفه من تقنيات آخرى، ثم تجمع نفسك وتهدئ أفكارك ومشاعرك من أي شيئ. هذا يعني أنك تكون شفافا مثل الكريستال الشفاف في نقل كل ما تشعر به وتدركه، من خلال الدور الذي تمثله، وفي انفصال تام عن أوهام وايحاءات عقلك. قد يتطلب هذا الأمر بعض التدريب في البداية، وقد يكون به بعض الغموض، ولكن لا بأس سيتبدد ذلك مع الوقوفات القادمة. البعض قد يكون الأمر بالنسبه له تلقائيا وسهل عليه في اقتباس مشاعر ومعلومات حقل المعرفة، إما لأنه تعود بالاتصال بمشاعره، أو أنه ولد بقدرات عالية تمنحه القدرة على التقمص العاطفي والاحساس بمشاعر الغير. كأخصائي وبعد انتهاء الوقوف لكل شخص، يجب أن تشارك ما ظهر لك من الاحساس. والنتيجة التي وصلت النفس لها بكل شفافية، وتتأكد من أن العميل او الزبون قد استوعب الديناميكية والاشتباك الحاصل في عائلته. وأن الحل أو النقطة التي أوصلت النفس لها في ترتيبها داخل النظام. لا ينفع اطلاقا إخفاء أي معلومات قد تساعد في راحة نفس المشترك، كما لا يوجد خطوط حمراء هنا. فاخلع الخجل والخوف عند الباب كما يخلع المصلين أحذيتهم قبل الدخول للمسجد. أما بالنسبة لحقل المعرفة فأعظم ما يميزه أنه صدقا لا يمكن الاختباء فيه أو إخفاء أي أمر مهما كان، بما فيها خواطر النفس الخفية عن العقل المنطقي لصاحبها وأساليب تلاعبها النفسية المتعددة. كما لا يمكن لأحد أن يختبئ تحت الشمس، فحقل المعرفة يعري الحقائق ويظهرها كما هي بلا أي تحيز. الجميل أن المشاركين في تمثيل الأدوار داخل حقل المعرفة، وبمجرد خروجهم من أدوارهم، تذوب وتختفي هذه المشاعر كأن شيئا لم يكن. في حالات قليلة جدا، قد تبقى رواسب مشاعر من الوقوف بحكم التشابه في بعض اشتباكات الأنظمة أو رغبات النفس الخفية. في هذه الحالة الأمر جدا بسيط . كل ما عليك هو التوجه للأخصائي لمساعدتك. من أبرز المواقف التي أظهرت مدى الشفافية المدهشة في دخول حقل المعرفة، وكشفه لأعماق النفس، وبغض النظر عن من يقوم بتمثيل الأدوار فيه من أشخاص. مثال : إحدى المشاركات تذكر تجربتها في تمثيل وقوف ما لشخص اخر قائلة: أثناء اجتماع الأخصائية مع صاحبة الوقوف في غرفة مجاورة لعرض موضوعها عليها، حصل موقف بسيط في القاعة، ينم عن أنانية وتذمر مزعج من إحدى المشاركات الجدد. حيث نزعت به المزاج الجيد للحاضرين، شعرت بالغضب والنفور الشديد منها. لم أقل اي كلمة، حرصا ألا تظهر مشاعري على وجهي كوني، لا أعرفها من قبل، وأنا كذلك جديدة مثلها. تحدثت معي المنظمة عن غضبي، ولكني لم أستطع خلال هذه الفترة القصيرة استيعاب الضيق داخلي، ولم استطيع تحرير مشاعري تجاه موقف تلك السيدة وسلوكها غير المقبول مع قيمي الخاصة. الأخصائية وصاحبة الوقوف لم تعلما البتة شيئا مما حصل معنا. وحينما حضرتا بدأنا تمثيل الوقوف مباشرة. وتم اختياري بتمثيل الدور الذي اختارته الاخصائيه لي، وكذلك اختارت تلك السيده التي اصبحت غاضبه عليها. فقمت بالدور، وكأن ما حصل هو تمهيد جواب لسؤال الذي قد سألته لنفسي قبل أن أحضر صباحا، وهو ( يا رب أرني إن كان الوقوف صادقا فيما يدعي؟). وعندما بدأنا بتمثيل الادوار ، وفي البداية لم أريد حتى النظر لوجه تلك السيده، حتى لا تفضح عيناي مشاعري الغاضبة منها وعليها، ولكن الأخصائية دون علما منها، وضعت هذه المرأة لتمثل دور شخص أو شيء تحبه صاحبة الوقوف التي كنت أمثل دورها داخل النظام، وياللعجب في أقل من جزء من الثانية تبخرت كل مشاعري الحانقة عليها، ولم يتبقى سوى المحبة الخالصة والجاذبية التي لا تقاوم تجاهها، لدرجة أني لم أكد أصدق ما حصل معي واندمجت في الدور حتى انتهى الوقوف. الغريب أنه بمجرد أن خرجت من الدور عادت مشاعري الأصلية تجاهها من الضيق والحنق، وقتها فقط آمنت أنه لا يمكن أن يكون في حقل المعرفة إلا الحقيقة والشفافية المطلقة بغض النظر عن أي أمر آخر يتجرد امامنا.

جميله شرودر