كلمة رئيسة الرابطة في حفل الإفتتاح
من هنا نعلن تأسيس الرابطة العربية للوقوف العائلي النظامي، ونحن كلنا طموح وثقة بأنها ستكون صرحاً مضيئاً ينير عتمة الطريق من الخليج إلى المحيط.
قال الله سبحانه وتعالى:
{(ألم ترَ كيف ضَرَبَ اللهُ مثلاً كَلِمةً طَيبةً كشجرةٍ طيبة أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء تؤتي أكلها كُل حِينٍ بِإذن رَبِهَا )} صدق الله العظيم
أليس مدهشاً أن نقول مجازاً “شَجرةُ العائلة” ثم نكتشف أنها حقيقة؟
أجل من أعماق جذورنا نرتقي ونسمو وندرك أن هذا العالم الكبير الذي نعيشُ فيه، ما هو إلا انعكاسٌ للعالم الأكبر في أنفسنا. وأن القسوة التي تفجر الحروب والخصومة بين الناس، ما هي إلا مرآة للداخل. وأن الإحسان والحب الذي ينتقل من داخلنا للعالم الخارجي، يؤلف بين قلوبنا ويقربنا من بعضنا ويغذي أرواحنا.
بدايةً: دعوني أحدثكم عن
- ماهي الرابطة العربية للوقوف العائلي النظامي؟
- وما هو سبب انشائها؟
- وماذا نأملُ من الأعضاء المُنْضَمِينَ اليها؟
الرابطة هي مجموعة من الرواد العرب الذين جمعهم حب الإنسانية والرغبة في تطور مجتمعنا العربي من خلال تأسيس مرجعية قانونية للوقوف العائلي النظامي، تعمل على غرس الحب المتزن، بدلاً من المساواة العمياء في الأنظمة العائلية.
أما أهم أسباب إنشاء الرابطة العربية:
- أولاً: إقامة جلسات منتظمة واحترافية للوقوف العائلي النظامي في كافة البلدان والجاليات العربية.
- ثانياً: الرابطة العربية تُمثل رسمياً تقنية الوقوف العائلي النظامي في المؤتمرات العالمية وفي الإعلام ودور النشر وغيرها.
- ثالثاً: أسسنا مراكز متخصصة في مختلف الدول العربية مُصرح لها ومعترف بها من الرابطة العربية، تعمل على تدريب أخصائيين ومدربين على درجة عالية من الكفاءة والإخلاص ومنح شهادات للمتخرجين.
- رابعاً: تضع الرابطة نُصب عينيها إقامة حجر الأساس لمنظومة رفيعة من الأخلاقيات والقوانين يتبعها ويلتزم بها كل أعضاء الرابطة من أجل ضمان حقوق كلاً من العملاء والأخصائيون.
واسمحوا لي أعضاء الرابطة الكرام أن أوجه حديثي لكم الآن.
أرجو أن لا تنسوا للحظة أنكم عماد ُهذه الرابطة والدمُ الذي يجري في شرايينها. فالعالم شاهدٌ على عَملكم المتفاني في سبيل بقاء الرابطة لتسير في خُطى متسارعة نحو التفوق والسمو.
أعزائي قد لا ترون ذلك الآن، ولكنكم على المستوى النفس، مثل جندي الساموراي، الذي يَهبُ بكل شجاعة وقوة إلى نجدة الأسرى والمحتجزين في معتقلات الأنظمة العائلية واشتباكاتها المؤذية، ولا يتوقف حتى يفُك قيودهم ويحررهم من سجونهم وأغلالهم ويُزيل الغِشاوة عن وعيهم ويمنحهم الطمأنينة.
أيها المتابعين الكرام، هل سبق أن مررتم بنمط متكرر من الإساءة والتحديات بلا أي حلول منطقية نافعة؟ هل زرتم الأطباء والمعالجين النفسيين ومستشاري الزواج والعلاقات، وجربتم العديد من التقنيات ومع ذلك ما زلتم تعاونون من الضيق والتعاسة والألم؟
إن تقنية الوقوف العائلي النظامي كفيلة بأن تكشف هذه الأسرار أخيرا، وإظهار الدوافع الحقيقية والروابط القدرية المشتركة من عالم الخفايا والكتمان إلى النور.
في الوقوف العائلي النظامي تَظهر المعرفة الداخلية التي تُؤثر، مثل حقل قوة جبّارة، بين الشخص وأفراد نظامه العائلي أو المهني أو الوطني.
بالإضافة لذلك لا تقدم هذه التقنية المعرفة ثم تقف مكتوفة اليدين، بل تقدم أيضاً حلولا أبعد من أن تصل لها أفكارنا التقليدية، وتأثيرها يمتد ليس فقط على نظام حب العائلة، أو انسجام فريق العمل في الشركات والمؤسسات، وإنما يمتد تأثيرها إلى جميع جوانب الحياة.
فالوقوف قادرٌ على مساعدة الحالات التي وقف أمامها الطب والمنطق عاجزين.
ومن أهم ما يميز الوقوف العائلي النظامي عن غيره، هو اللطف على النفس فلا يحمّلها ما لا تطيق ولا يفرض عليها حلولاً ترفُضُ قُبولها، كما أنها مناسبة للجميع وليست حكراً على يد نخبة من المنتفعين.
أما عن كيف تعمل؟ يوجه الأخصائي الخبير مجموعة من الممثلين عن العائلة الأصلية، حيث تقوم الحركة داخل الجلسة على كشف ديناميكية الروابط العائلية الضارة، التي تسري في جذور النظام إلى فروعه في شجرة العائلة كالسُم البطيء، نتيجة صدمات وحوادث عانت منها الأجيال السابقة في الأسرة والحمولة والقبائل.
مثلا القتل والتهجير والموت المبكر وحوادث السير والتبني والاجهاض، وإقصاء ونبذ أحد أفراد العائلة أيا كان السبب. من ثم يعمل الإخصائي على إيجاد حل أفضل من داخل النظام نفسه.
إن الاشتباكات القدرية في النظام تؤدي إلى خسارات فادحة لا يمكن تصورها، وتُورّث إلى أجيالٍ عديدة مع أثارٍ مضاعفة. فعندما يكون القدرُ بشعاً جداً في أحد الأنظمة، فإن الأشخاص المشتبكين بهذا القدر يصبح على أعينهم مثل الغمامة، فهم لا يبصرون وليس لديهم الاستعداد للإبصار، حتى لو قدمت لهم الحقيقة على طبقٍ من ذهب.
بينما من خلال عمل الوقوف فإن لديهم فرصة للنجاة، لان الغامض يظهر الي النور.
إن الوقوف العائلي النظامي هو إرث د. بيرت هيلنجر، العالم الألماني في بحوثات علم النفس، ومؤلف ل 110 كتاباً تُرجمت إلى أكثر من 38 لغة حتى الآن. وكان لي الشرف الكبير بترجمة كتابه نظام الحب للغة العربية.
هذه التقنية الفريدة معروفة حول العالم وتُقام جلساتها على جميع المستويات في 40 دولة. ويُستعان بها في العديد من المجالات، مثل الطب النفسي والمنظمات والوزارات والشركات وفي التعليم والمحاكم وفي المستشفيات والاستشارات بكل أنواعها.
لقد تعرفت على الوقوف العائلي النظامي عندما قرأت كتاب”نظام الحب” د. هيلنجر باللغة الألمانية ، وذلك قبل ان أقوم بترجمته للعربية. كان ذلك في فترة كانت هي الأصعب في حياتي. ومباشرة قمت بعمل الوقوف الأول لي. الذي ساعدني على تجاوز وشفاء ألم وفاة أخي المفاجئ رحمه الله، والتي من بعدها كاد الحزن الشديد أن يفطر قلبي ويمزق روحي. لقد بحثت عن العديد من الطرق العلاجية، ولكن لم يستطع أياً منها مساعدتي سوى الوقوف العائلي النظامي.
لذلك كرست حياتي له وتركت عملي السابق في الهندسة المعمارية ثم تخصصت في الوقوف العائلي النظامي وتدربت على يديي د. بيرت هيلنجر شخصياً على مدى عدة سنوات. ووصلت بذلك الي أعلى شهادة تمنحها الرابطة الألمانية وأنا كذلك عضوة فيها الآن.
ومن هنا أصبح هاجسي وشغفي أن أقدم الوقوف العائلي النظامي إلى الوطن العربي لعله يجد السلام أخيرا.
إن النار تشتعلُ من مُستصغرِ الشرر، والصراع الذي ينشأ داخل نفس الفرد هو الذي ينتقل إلى الصراع بين أفراد العائلة والحمولة، ومن ثم يتحول إلى جبهة قتال بين القبائل وحروبٌ بين البلدان. والماء الذي يطفئها هو أن نتوقف عن إطلاق الأحكام على بعضنا، فكل حكم يكون في النهاية غير عادل، لأن الشخص يُنْصبُ نفسه إلهاً جالساً على العرش يحكم على أقدار الغير وكأنه يملك المعرفة المطلقة.
والتجربة اثبتت بعد مرور عشرات وعشرات السنوات ولم يتحقق السلام في الوطن العربي لا من خلال السياسة ولا الوساطة الدولية ولا من الانتظار الطويل ولا من الحرب والثورة، وإنما زاد الطين بِلةً ظهور التطرف الاجتماعي بمختلف المجالات.
كما لا يُخفى عليكم مهما تغيرت المظاهر، فإن مجتمعنا العربي يلدُ آبائه وأجداده جيلاً بعد جيل. نفس الصراعات، نفس المعاناة، نفس الألم وأحياناً نفس الوجوه.
حين يحصل التغيير داخل النفوس سيكون بإمكان مثلا الفلسطينيون واليهود ، او شيعة وسنة او مسيحي ومسلم، أن يقفوا يداً بيد، يبكون موتاهم معاً، يتشاركون الحزن والألم ويتشاركون الخسارة التي سببها كُل منهم للآخر، ويزيد تقديرهم لبعضهم البعض، ولأقدارهم والرباط الذي يجمع بينهم.
حيثُ لا جانِ ولا مجني عليه لا ظالم ولا مظلوم، عندئذٍ تنتهي الحرب والضغينة والرغبة بالانتقام والاستغلال،
لأن السلام يبدأ داخل النفس، والحب والتقدير كفيلٌ أن يَحُلَ أي اشتباك في أي نظام مهما بلغت المعاناة.
إن السلام في وطننا العربي يتحقق بإعادة ضبط نظام الحب داخل نفوسنا. الحل دائماً هو الحب والانتماء والتواضع والإدراك، لأن هناك قوة أعظم تحرك خيوط هذا العالم وتوجه حركة النظام الكبيرة نحو أقدارٍ أجمل وافضل.
أرجو أن تكون هذه الرابطة وأعضائها منارة يهتدي بها التائهون، وأدعو الله أن تحظى بمزيد من التفوق والنجاح في مسعاها النبيل.
الشكر المحمل بالورود والياسمين تقديراً للضيوف والمنظمين الأعزاء. بوركتم بالمودة والسلام.